حسب مؤشر الأداء البيئي : دول المغرب العربي أكثر نجاعة

أثبتت السياسات البيئية نجاعتها في دول المغرب العربي، فيما تعاني دول المشرق من تأخراً نسبيّاً.

صنف مؤشر الأداء البيئي الصادر عن وكالة حماية البيئة الأمريكية، 163 بلداً، عبر استخدام 25 مؤشر أداء، موزعة على 10 فئات تشمل كلاً من سياسة الصحة البيئية العامة، وحيوية النظام الإيكولوجي. وتسهم هذه المؤشرات في قياس مدى نجاعة أهداف السياسة البيئية لحكومات هذه البلدان، من أجل توفير الحياة السليمة لمواطنيها، من ماء وهواء نظيفين، خصوصاً في مواجهة التغيرات المناخية التي شهدها العالم أخيراً. وقد توصلت الوكالة بالتعاون مع جامعة ييل الأمريكية، إلى منهجية يسهل من خلالها المقارنة بين البلدان، وكذلك تحليل كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يواجه النقص الحاصل في الاستراتيجيات البيئية، من خلال دراسة تحليلية دقيقة للمؤشرات الـ25.
في هذا السياق، يمكن القول إن الدول العربية تشتهر بمواقعها السياحية ومنتجعاتها الخلابة، إلا أنه حتى الآن، لا يوجد ضمن اختيارات السياح بندٌ يصنّف هذه الدول حسب جودة ونقاء هوائها، علماً أنّ جولة استجمام لأيام معدودة لن تضر بصحتهم. لذلك، تقدّم «فوربس – الشرق الأوسط» تصنيفاً خاصاً بالدول العربية حسب مستوى جودة البيئة فيها، وفقاً لما جاء في تقرير وكالة حماية البيئة الأمريكية السنوي للعام 2010، مع الإشارة إلى أن الدول العربية بشكل عام، لم تستطع حجز مراكز متقدمة في تقرير الوكالة، حيث حصلت المنطقة على ما معدله 54.1 نقطة من أصل 100، وهو معدّل منخفض جداً، ترجع أسبابه إلى عوامل مختلفة، أهمها افتقار هذه البلدان إلى سياسات إصلاحية بيئية ناجحة، وضعف الاستثمارات الكبيرة في هذا المجال.
في المستويات المرتفعة من الغلاف الجوي، يتكفل غاز الأوزون بحماية كوكب الأرض من الأشعة فوق البنفسجية السامة. أمّا على مستوى الأرض، فإن ملوثات الهواء الخطيرة التي تودي بحياة الآلاف من الأرواح سنوياً عبر تسببها بمجموعة من الأمراض، من نوبات الربو إلى عدم انتظام ضربات القلب، موجودة على مدار العام، وهي تكثر في الدول العربية خلال فصل الصيف، لاسيما في دول الخليج التي تتعرض لأشعة شمس حارقة ومستويات رطوبة عالية جداً، ما يزيد من نسب تلوث الهواء فيها. وهذا ما وضع بعض الدول الخليجية في مراتب متأخرة ضمن قائمة «فوربس - الشرق الأوسط» لأنقى الدول العربية.
إذا كنت تبحث عن مكان لقضاء العطلة من دون أضرار جانبية بالرئة، اذهب إلى قسنطينة أو عنابة في الجزائر التي احتلت المرتبة الأولى كأنقى الدول العربية والمرتبة 42 على مستوى العالم، بحصولها على معدل 67.4 نقطة من 100 ضمن 25 مؤشراً اعتمدتها وكالة حماية البيئة الأمريكية في حسابها لمؤشر الأداء البيئي للدول، بما في ذلك جودة المياه والهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتأثير البيئة في صحة السكان. فعلى الرغم من أنها من أكبر الدول الصناعية على مستوى المنطقة، إلا أن توفير المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية، تعتبر من أهم نقاط قوة الجزائر التي سجّلت 83.7 نقطة من أصل 100 في هذا التصنيف، بينما سجّلت نسبة التلوث في هوائها 45.43 نقطة من أصل 100. لكن ما يثير الدهشة، هو حصول الجزائر على العلامة الكاملة في ما يتعلق بالتشجير، حيث اعتمدت البلاد سياسة تشجير ناجحة في السنوات الماضية، خصوصاً مع حملات السد الأخضر التي اعتمدت على شجرة الصنوبر المقاومة للجفاف في إطار محاربة ظاهرة التصحر، إضافة إلى المناخ المتوسطي الذي تتميز به الجزائر، ووفرة موارد المياه على كامل مساحة البلاد الشاسعة، مع العلم أن المساحات الصحراوية تغطي %80 من مساحة البلاد الإجمالية.
ويمكنك أيضاً الذهاب إلى مراكش أو تطوان في المغرب، مع احتلال المملكة المرتبة الثانية على الصعيد العربي والـ52 على مستوى العالم، بحصولها على 65.6 نقطة. ومن بين العوامل التي ساعدت المغرب على احتلال هذه المرتبة، إقدامه على تعويض الوقود العادي المستعمل في محركات السيارات بوقود «ديزل بي بي إم 50» الأقل تلويثا للبيئة، إضافة إلى مشروع المغرب الكبير لاستخدام الرياح في توليد الطاقة. كما يأمل المغرب من خلال مشروع ضخم للطاقة الشمسية، أن يخفض اعتماده على مصادر الطاقة الأجنبية ويعزز من حماية البيئة، حيث تبلغ تكلفة المشروع 9 مليارات دولار، وتصل طاقته الإنتاجية إلى 2000 ميجاوات بحلول العام 2020. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في خفض اعتماد المملكة على واردات الكهرباء والنفط والغاز، والتي شكلت %96 من الطاقة المغربية في العام 2007. وكذلك، فإن سياسة السدود التي ينتهجها المغرب، تعتبر من أهم الخطوات التي اتخذها هذا البلد لتحسين جودة المياه والبيئة بشكل عام، ولعل أكبر دليل على ذلك سد الوحدة الذي يعتبر أكبر سد في القارة السمراء.
تقول لطيفة الكفيفي، رئيسة قسم المرصد الوطني للبيئة في وزارة البيئة المغربية، إن برامج التطوير التي انتهجها المغرب في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في ما يتعلق بمعالجة مياه الصرف والتي يتم بموجبها تقديم دعم مالي لأصحاب المشروعات البيئية تصل قيمته إلى 50 مليون دولار سنوياً، إلى جانب البرنامج الوطني لمكافحة تلوث الهواء الذي يكلف ميزانية الوزارة ما يقارب 225 ألف دولار، وإنشاء صندوق مكافحة التلوث الصناعي الذي تمت من خلاله الموافقة على تمويل 59 مشروعاً حتى العام 2010 بتكلفة إجمالية تقدر بـ65 مليون دولار، منها 25 مليون دولار على شكل هبة؛ كلها أدت إلى تحسين جودة المياه والهواء في المملكة، وهذا فضلاً عن المشروعات الكبيرة التي يسعى المغرب من ورائها إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة لخفض وارداته من النفط والغاز. كل هذا، ساعد المغرب على تحقيق 95.5 نقطة من أصل 100 في ما يتعلق بجودة الهواء.
أما بخصوص الثروة المائية، فيمتلك المغرب 20 مليار متر مكعب من المياه النظيفة الصالحة للشرب، ما مكّنه من تحقيق نتيجة جيدة قدرت بـ69.63 نقطة. وأما في ما يخص المساحات الخضراء، فقد حقق المغرب كذلك العلامة الكاملة، نتيجة مشروعات توسيع وترميم المساحات الخضراء، وخصوصاً في الرباط التي تضم 230 هكتاراً منها، إضافة إلى العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء التي تعد أكثر المدن المغربية تلوثاً في الهواء، والتي تضم 351 هكتاراً من المساحات الخضراء. وتقول الكفيفي تعليقاً على هذه الأرقام: «على الرغم من أن هذه الأرقام تعتبر جيدة نسبياً، لا يزال القطاع البيئي في المغرب يحتاج إلى الكثير من العمل، سواء من طرف الجهات الحكومية أو القطاع الخاص، من أجل الوصول ليس فقط إلى الريادة على المستوى العربي، ولكن على المستوى العالمي أيضاً». وتضيف: «يتمثل التحدي الأول للمغرب في مكافحة الاحترار المناخي، وذلك لسببين: الأول يتعلق بوجود ثغرات كبيرة حول كيفية التصدي للتأثيرات والآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه التغيرات، والثاني يتعلق بالاعتماد القوي لاقتصاد البلاد على قطاعات وموارد حساسة تجاه التغيرات المناخية، مثل الزراعة، والموارد الساحلية، والموارد المائية وموارد الغابات. ومن أجل ذلك، بدأنا تنفيذ خطة استثمارية للمحافظة على الموروث البيئي والطبيعي للمغرب، حيث تم على سبيل المثال،رصد 100 مليون دولار للعام 2011 لهذا الغرض».
واحتلت سوريا المرتبة الثالثة في قائمة أفضل البلدان العربية بيئياً والمرتبة 56 على مستوى العالم، بتحقيقها 64.6 نقطة من أصل 100. وتبلغ مساحة سوريا 185 ألف كيلومتر مربع، وتعتبر ثلث هذه المساحة أرضاً قابلة للزراعة والغابات، فيما تتكون المساحة الباقية من بادية وجبال صخرية. إلا أن المشكلة التي تواجهها مناطق كثيرة في سوريا، تتمثل في تلوث المياه السطحية والجوفية، وبشكل رئيسي بسبب مياه الصرف الصناعي والمنزلي، حسب ما تقول وزارة البيئة السورية في تقريرها البيئي للعام 2010. ومع ذلك، تمكنت من تحقيق معدل عال في توفير المياه الصالحة للشرب، وذلك وفق وكالة حماية البيئة الأمريكية، مسجّلة معدل 86.03 نقطة من أصل 100. أما في ما يخص جودة الهواء، فتشير النتائج إلى تراجع في نوعية الهواء بشكل عام، حيث يزيد تركيز العوالق الكلية والإنبعاثات الغازية على الحدود المسموح بها في المعايير السورية لنوعية الهواء.
وتلعب هذه الإنبعاثات دوراً مهماً في تشكيل الضباب الدخاني الذي يخيم على هواء المدن الرئيسية. ولذلك حققت سوريا 62.62 نقطة من أصل 100، وهو معدل منخفض مقارنة بمرتبتها المتقدمة. لكن وبفضل ثروات البلاد الزراعية، ومناخها الجميل، فقد تمكنت من تحقيق العلامة الكاملة في نسبة المساحات الخضراء التي تبلغ نحو 14.9 مليون هكتار.
وعلى مستوى منطقة الخليج العربي، لم تحقق أي دولة ما قد يشفع لنا للكتابة عنها، ولعل المملكة العربية السعودية التي احتلت صدارة دول مجلس التعاون الخليجي قد تكون مثالاً حسنا لجاراتها الأخرى. فعلى الرغم من أن المملكة تعتبر من أهم البلدان الصناعية في المنطقة (خصوصاً الصناعات البيتروكيماوية والبترولية الأكثر إضراراً بالبيئة)، إلا أنها ومن خلال المشروعات الضخمة والحملات الواسعة التي تقوم بها على مدار السنة، تحاول رفع شعار التحدي في مواجهة المناخ القاسي الذي يسود البلاد ودرجات الرطوبة العالية، خصوصاً في أشهر الصيف. وقد كان من أهم هذه المشروعات، مشروع حدائق الملك عبد الله العالمية المغطاة في مدينة الرياض، والذي يعد أحد أهم المشروعات البيئية على مستوى العالم.